هناك أسماء لله إذا مرت على أذنك هزّت قلبك، وأشعرتك أن الكون، بكل قسوته وفوضاه، ليس مكانًا مخيفًا كما تظن. ومن تلك الأسماء اسم "اللَّطيف"… اسم يمرّ كالنسيم في قلبك، يطمئنك أن يدًا خفية تمسك بكل خيوط حياتك، وتنسج منها لوحة أجمل مما كنت تحلم.
اللَّطيف… هو الذي لا يقتحم حياتك بعطائه اقتحامًا، بل يتسلل إليها كنسمة في ليلة خانقة، يبدد خوفك دون أن تدري متى بدأ، ويزرع في روحك راحة لم تطلبها، لكنها جاءت في وقتها تمامًا. هو الذي يرتب لك لقاءات لم تخطط لها، يضع في طريقك وجوهًا وأحداثًا هي في ظاهرها مصادفات، لكنها في الحقيقة مفاتيح نجاة.
كم مرة ضاقت بك الدنيا حتى ظننت أن لا مخرج، ثم وجدت طريقًا يفتح أمامك فجأة، وكأن الله كان يكتب لك حلًّا في سطر خفي لم تره من قبل؟ كم مرة تأخر عنك ما كنت تتمناه، ثم جاءك في لحظة أحوج ما تكون إليها، فإذا به أعمق أثرًا وأجمل طعمًا مما كنت تحسب؟ هذا هو اللطف… تدبير من وراء الستار، لا يظهر إلا حين تكتمل الحكمة.
اللطف ليس فقط في دفع البلاء، بل في ترتيب الخير في صمت. قد يكون لطفه أن يبعد عنك أمرًا ظننته حياتك، فإذا به كان سيكسر قلبك. وقد يكون لطفه أن يقربك من شخص، أو يبعدك عن آخر، أو يمنعك من خطوة كانت ستأخذك إلى هاوية لا تراها.
اللَّطيف يرى جرح قلبك قبل أن تبوح به، يسمع وجعك الذي لم تنطقه، يعرف تعبك الذي تخفيه بابتسامة، فيرسل لك ما يداويك دون أن تطلب. ربما بكلمة تسمعها من غريب، ربما برسالة لم تكن في الحسبان، وربما بمجرد إحساس داخلي بأنك لست وحدك.
تأمل يوسف عليه السلام… كل خطوة في حياته كانت تبدو كسرًا: بئر، عبودية، سجن. لكن كل ذلك كان سلمًا يصعد به نحو الملك. وفي نهاية المطاف قال: "إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ". كأنما يخبرنا أن اللطف لا يُفهم في بدايته، بل يُدرك حين تكتمل القصة.
وإذا أردت أن تتخلق بخلق اسم الله "اللَّطيف"، فكن أنت أيضًا نسمة لا ريحًا، بلسمًا لا جرحًا، نورًا يتسلل دون أن يؤذي العيون. ساعد من حولك دون أن يشعروا بثقل منّتك، وامسح على القلوب كما تمسح يد أم على رأس طفلها النائم.
اعلم أن كل ما في حياتك – حتى ما أوجعك – يجري بلطف خفي، وأنك لو كشفت الغيب لرأيت أن يد اللطيف كانت تمهّد لك الطريق، وتضع في طريقك كل ما تحتاجه، بالقدر المناسب، في الوقت المناسب، بالحكمة التي لا تراها الآن.
فاللهم يا لطيف، ألطف بنا في قضائك، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، واجعلنا نرى في كل ما مرّ بنا لمسة رحمتك، وهمس عنايتك، ونعيم قربك.