كان رسول الله ﷺ نموذجًا فريدًا في الرحمة والتقدير والعدل في معاملته للنساء، سواء كنّ أمهات أو زوجات أو بنات أو مؤمنات من عامة الأمة. لم يكن ينظر إليهنّ نظرة نقص أو دونية كما كان شائعًا في الجاهلية، بل رفع قدرهنّ، وضمن لهنّ حقوقًا، وعلّم أصحابه كيف يحترمونهنّ ويُحسنون إليهنّ.
عندما نتأمل معاملته ﷺ لنسائه في بيته، نجد أنه كان ألين الناس خُلقًا، وأطيبهم عشرةً، وأكثرهم لطفًا ومراعاةً للمشاعر. لم يكن يتكبر أو ينفصل عن مسؤوليات البيت، بل كان يساعد، ينظّف، ويهتم بأمر أهله، ويحنو عليهم [1]. كان بيته مليئًا بالسكينة، وكان يعامل زوجاته باحترام ومحبة، دون قسوة أو تسلّط [2].
ومع بناته، كان الحنان والوقار يمشيان جنبًا إلى جنب. فاطمة رضي الله عنها، كلما دخلت عليه، قام لها، وقبّلها، وأجلسها في مجلسه [3]، وهي لفتة عظيمة تعكس عظمة الأبوة النبوية. وكان يعبر عن محبته لها، ويدافع عن مكانتها، ويربط أذاها بأذاه، ورضاها برضاه [4]، مما يعكس مكانة البنت وعلوّ شأنها.
أما مع عموم النساء، فقد غيّر النبي ﷺ النظرة السائدة في المجتمع الجاهلي، فرفع المرأة من كونها تابعًا لا رأي له إلى كيان مستقل له كرامته. وكان يتواضع لهنّ، حتى إن المرأة الضعيفة من عامة الناس إذا استوقفته لأمر، لم يكن يردّها ولا يتكبر عليها، بل يرافقها بنفسه ويقضي حاجتها [5].
حتى في المواقف التي تُغضبه من النساء، لم يكن يقابل الغضب بالغضب، بل بالحلم واللين. كانت نساؤه يراجِعْنه، ويغضبن أحيانًا، لكنه ﷺ كان يصبر، ويبتسم، ويتفهّم الاختلاف في الطباع. كان حازمًا إذا تطلّب الموقف الحزم، لكنّه لا يظلم، بل يحكم بالعدل والرحمة معًا [2].
وكان يعظ أصحابه ويوصيهم مرارًا بحسن معاملة النساء، وربط الخيرية الحقيقية بحسن معاشرة الرجل لأهله [6]، فصار معيار الرجولة الحقيقي هو اللطف والرحمة في البيت.
كما أنه لم يقصِر العلم أو العبادة على الرجال، بل جعل النساء شريكات في الدين والمعرفة، فكنّ يسألنه، ويتعلّمن منه، وكان يجيبهنّ بكل احترام، بل خصص لهن يومًا يتفرغ فيه لتعليمهنّ [7].
هذا هو محمد ﷺ، الذي رفع المرأة بعد أن كانت تُوأد وتُهان، فجعلها أمًا تُبرّ، وبنتًا تُكرم، وزوجة تُعاشر بالمعروف، ومؤمنة لها من الحقوق كما للرجل.
المراجع والإثباتات الصحيحة: