كيف كان يأكل رسول الله ﷺ ؟

 كان رسول الله ﷺ يأكل بتواضعٍ واعتدال، فلم يكن يأكل ليشبع البطن، بل ليُقيم صلبه ويقوّي بدنه على طاعة ربه. لم يعرف الإسراف، ولم يُعرف عنه التكلّف في المأكل والمشرب. كان طعامه بسيطًا، لكنه مليء بالبركة، وكان يشكر الله على القليل، ولا يحتقر ما قُدّم إليه، ولو كان تمرات أو جرعة لبن.

كان لا يعيب طعامًا قط، إن اشتهى أكله، وإن كرهه تركه. وهذا خُلقٌ عظيم يدلّ على شدة تواضعه ﷺ وتهذيبه لنفسه. لم يكن يتذمّر أو يعبس أمام مائدة الطعام، بل كان يُقبل على النعمة بقلبٍ شاكر ولسان ذاكر، ويُربّي أصحابه على ذلك. كان إذا أُتي بطعام، يسأل عنه، ويحمد الله، ويُسمّي قبل أن يأكل، ويحثّ غيره على التسمية أيضًا [1].

كان يأكل مما يليه، ولا يمدّ يده إلى ما هو في جانب غيره، وكان يجلس للأكل جلسةً متواضعة، يجثو على ركبتيه أو يقعد على قدمه اليسرى وينصب اليمنى. هذه الجلسة كانت تُعبّر عن احترام الطعام، وخشية الله، وعدم الأكل بشراهة. كان يقول: "لا آكل متكئًا" [2]، أي لا يتكئ على وسادة أو يبالغ في الراحة أثناء الأكل، لأن الاتكاء يورث الكِبر والبطَر.

ما كان يُكثر من اللحم، ولا يجعل طعامه لحومًا ودهونًا في كل وجبة، بل كانت تمرات وماء تكفيه، وربما شرب اللبن، أو أكل الشعير مع الخل. وكان يحب الخبز الشعير، وربما بلّه بالماء ليُليّنه، وكان يأكل التمر كثيرًا، ويفضّل العجوة، وكان يُثني على زيت الزيتون ويأكله ويقول عنه: "كُلُوا الزَّيتَ وادَّهِنوا به، فإنَّه مِن شجرةٍ مباركة" [3].

وكان يرضى بالقليل، ولا يحرص على الشبع، بل يُوصي: "بحسبِ ابنِ آدمَ لُقيماتٌ يُقِمنَ صُلبَه" [4]. كان يرى أن كثرة الأكل تُثقل البدن، وتُضعف الروح، وتفتح باب الغفلة، وكان يُحذّر من الامتلاء قائلًا: "ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن" [5].

وكان يشرب على ثلاث مرات، ويتنفس في الإناء خارجه، ويبدأ ببسم الله ويختم بالحمد لله. لم يكن يشرب دفعة واحدة، وكان يعلم أصحابه ذلك، ويقول: "أروَى، وأمرأ، وأبرأ" [6]. هذا النظام في الشرب يدل على أدبٍ رفيع وحرص على الصحة.

وفي كل عاداته الغذائية، كان يرسم طريق الاعتدال والرحمة، ويُعلّمنا أن نأكل بحياء، وأن نرى النعمة فضلًا لا استحقاقًا. لم يجعل من الأكل غاية، بل وسيلةً ليقوى الجسد على العبادة والعمل، وكان يسأل ربه البركة، لا الكثرة، ويعلّمنا أن نُعطي الطعام معناه الروحي لا فقط المادي.

هكذا أكل النبي ﷺ... بهدوء، وشكر، وتواضع، واعتدال، بلا إسراف ولا تكبّر، ليعلّمنا كيف يكون الطعام عبادة.


المراجع والإثباتات الصحيحة:

[1] عن عمر بن أبي سلمة قال: "كنت غلامًا في حجر رسول الله ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي: يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"
→ صحيح البخاري (5376)

[2] قال رسول الله ﷺ: "أما أنا فلا آكل متكئًا"
→ صحيح البخاري (5398)

[3] قال ﷺ: "كُلُوا الزَّيتَ وادَّهِنوا به، فإنَّه مِن شجرةٍ مباركة"
→ سنن الترمذي (1851) – حسن

[4] قال ﷺ: "ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، بحسبِ ابنِ آدمَ لُقيماتٌ يُقِمنَ صُلبَه..."
→ سنن الترمذي (2380) – حسن صحيح

[5] عن المقدام بن معد يكرب: "ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطنه..."
→ صحيح ابن ماجه (3349)

[6] عن أنس: "أن النبي ﷺ كان يتنفس في الشراب ثلاثًا..."
→ صحيح مسلم (2028)

أحدث أقدم